السبت، 18 ديسمبر 2010

في سيكولوجيا النفاق وخصائص" المؤمن الفاسد "

في سيكولوجيا النفاق وخصائص" المؤمن الفاسد "
مدخل مفاهيمي مع إشارات على مستوى الأفراد والدولة 
" يعطيك من طرف اللسان حلاوة ويروغ منك كما يروغ الثعلب "
                                                 علي بن أبي طالب(ع)

 
د.عامر صالح 
يستشري النفاق وازدواجية الأخلاق في التعامل اليومي في مجتمعاتنا العربية والإسلامية ويشكل بدوره عائقا كبيرا يهدد صفاء العلاقات الاجتماعية وحسن المعاملة والصدق مع الناس, كما ينخر بجسد المجتمع أفرادا ومؤسسات ودوائر ومنظمات حكومية ومنظمات شعبية ليلقي بظلاله السيئ على كل المنظومة القيمية مهددا مجتمعاتنا بمزيد من التدهور الأخلاقي والاجتماعي, حيث يضيق هامش الممارسة الصادقة الذي يبعث على الأمل في المستقبل, ويشد الناس إلى الإخاء والمودة ودماثة الخلق وحسن المعاشرة, ويرسخ منطق العدالة الاجتماعية في التعامل اليومي.
وإذ نشير هنا إلى مفهوم "المؤمن الفاسد" فلا نعني به حصرا فقط على المؤمن الذي يعتنق إحدى الديانات السماوية أو غير السماوية ويبتعد عنها في الممارسة العملية, بل تشمل أيضا كل ما يعتنقه الفرد من أفكار ومعتقدات وإيديولوجيات سياسية ذات طبيعة أخلاقية واجتماعية واقتصادية ايجابية إلى حد ما استنادا إلى معاييرها المعلنة في الخطاب النظري, ولكنه في الممارسة العملية والحياتية يتصرف ويصوغ سلوكياته الفردية وحتى السياسية بالضد من هذا الخطاب, فيتحول هذا الفرد إلى " مؤمن فاسد " يعث في الأرض فسادا وظلما وجورا, متسلحا بتفسيرات ذاتية ومصلحيه للخطاب المعلن لإشباع رغباته الشخصية بما فيها القتل وفساد الأخلاق وحرمان الآخرين من حقوقهم, مستندا إلى سلطة ما " دينية, أو سياسية, أو اجتماعية أو مالية وغيرها " كغطاء تسمح له بذلك, ولذلك فأن المؤمن الفاسد ليست فقط من خرج عن دينه, وان كان الخروج عن الدين هو الفساد الأعظم كما هو شائع شعبيا, وبهذا قد يكون المؤمن الفاسد هو من المتدينين بلباس الدين وطوائفه, أو من دعاة القومية أو الوطنية وغيرها من الانتماءات !!!!.
النفاق في اللغة هو ضرب من ضروب الكذب والخداع والمكر والغش والرياء, وفيه يظهر المرء خلاف ما يبطن, أي إظهار المرء خلافا لما هو عليه في داخله, فهو يكتم أو يخفي شيئا ويظهر شيئا آخر, فينطوي موقفه على شيء من النفاق, والعمل ألنفاقي المتسم بالنفاق والدال عليه حين يقف المرء موقف نفاقي, فالمنافق يظهر خلافا لما يضمر أو خلافا لما هو عليه في واقع الحال, ويجب الحذر من المنافق وعدم تصديقه, والمنافق في الدين هو من يخفي الكفر ويظهر الإيمان ويتظاهر بالتقوى والورع والتدين, ولعل غزارة النصوص القرآنية حول النفاق والمنافقين ما يشير إلى خطورة هذه الظاهرة , فعلى سبيل المثال لا الحصر, وفي (سورة المنافقين: 4)  قال تعالى :( وإذا رأيتهم تعجبك أجسامهم وإذا يقولوا نسمع لقولهم كأنهم خشب مسندة يحسبون كل صيحة عليهم هم العدو فأحذرهم قاتلهم الله أنى بؤفكون ), وكما قال النبي محمد(ص) : ( آية المنافق ثلاث: إذا حدث كذب, وإذا وعد اخلف, وإذا اؤتمن خان), ولم يخلو دينا سماويا أو غير سماوي من إدانة للنفاق وممارسيه باعتباره سلوكا منبوذ اجتماعيا وأخلاقيا رفضته البشرية عبر مسيرتها الطويلة بعد إن ودع الفرد الغابة ودخل المجتمع الإنساني, والمنافق في الدين يظهر خلافا لما يبطن, كالسياسي المنافق, أو الشخص المرائي والمخادع والكاذب والذي يتظاهر على خلاف ما في باطنه. 
ولعل ابرز ملامح الشخصية المنافقة هو: القدرة على المراوغة والتحايل والتقلب في المواقف, التشبث في الخطاب الديني أو السياسي أو الاجتماعي لإسناد تصرفاته المختلفة, الكذب المتواصل في الحديث وفي العلاقات الاجتماعية, خيانة الأمانة, الإخلاف في المواعيد, التحكم في الانفعالات وإظهار نقيضها بما يبعد عنه تهمة النفاق, يحاول المنافق الاهتمام بالمظهر الخارجي كجزء من سيكولوجيا الظهور لاختراق الوسط الاجتماعي الذي يتواجد فيه مقرونا بحلاوة اللسان وإجادة لغة الجسد كتعبيرات الوجه وحركات اليدين وغيرها من الصفات والصفات المضادة ذات الطابع التمويهي . وهناك الكثير من الإدانة للمنافق في الموروث الثقافي الشعبي وتأكيد خطورته, فعلى مستوى الإدانة, عندما تسأل شخصا, ما هو الفرق بين الكلب والمنافق فأن الجواب يكون : أن ذيل الكلب في أعلى " مؤخرته ", وذيل المنافق في أعلى مقدمته "لسانه ", أما على مستوى خطورة المنافق فيقال : أن أفعى لسعت " منافقا "فتسممت...وماتت !!!!!. 
أما النفاق في علم النفس فهو قد يكون صفة متلازمة من صفات شخصية الفرد وقد يطلق النفاق على حال ممارسته, وقد يشير إلى الفعل أو السلوك الذي يظهر فيه الفرد خلافا لما يبطن بداخله بمعنى التظاهر الكاذب بالفضيلة والتمسك في الدين, أو بأيديولوجية سياسية, أو بانتماء قومي أو وطني. وفي علم النفس هناك العديد من الحيل الدفاعية اللاشعورية يمارسها الإنسان لحماية نفسه من الشعور القاسي بالقلق والانزعاج, وهذه الحيل أو العمليات العقلية اللاشعورية كثيرة ومتعددة منها : الإسقاط والتبرير والتقمص أو التوحد والإزاحة العكسية والإبطال والإنكار والنسيان والإبدال والسلبية والرمزية والتقدير المثالي والتعميم والأحلام والعدوان والكبت والنكوص" أي العودة إلى الوراء إلى مراحل نمو سبق للإنسان إن تخطاها. 
والنفاق هنا ينطبق على إحدى هذه العمليات العقلية أو الحيل الدفاعية اللاشعورية المسماة بتكوين ردة الفعل" التكوين العكسي " حيث يظهر فيها الإنسان خلافا لما يبطن, حيث يتظاهر الشخص الملحد بالتدين الشديد, والرجل شديد  البخل يتظاهر بالكرم الشديد, والموظف المرتشي يتظاهر بالأمانة المطلقة, والإفراط في الاحتشام كرد فعل لرغبات جنسية مكبوتة, ومهاجمة التفكير الخرافي كرد وتكوين عكسي للأيمان به, والإفراط في الحب كتكوين عكسي للكراهية الشديدة, والإفراط في الضحك نرد فعل عكسي لمصيبة ما, وان هذه الآليات تبدو منطقية بمقدار, ولكنها تشكل ابرز ملامح "شخصية المؤمن الفاسد " عندما تشكل السمة الغالبة والطاغية في سلوكه اليومي !!!!.
أما بالنسبة للنفاق عند كلا الجنسين فيعتقد, وخاصة في مجتمعاتنا أن النفاق لدى الرجال هو أكثر شراسة منه لدى النساء بفعل اتساع نطاق دائرة التفاعل الاجتماعي لدى الرجال من خلال انخراطهم الواسع في المؤسسات الدينية من جوامع ومساجد وغيرها وفي الأحزاب السياسية وفي أجهزة الدولة وفي المنظمات الرسمية والشعبية وفي المحافل الدولية والإقليمية, وما تحمله هذه التجمعات والمساهمات من مخاطر ذات صلة وثيقة بأمن العالم والأوطان واستقرارها وسلامتها, وتشكل بحد ذاتها فرصا كبيرة "للمؤمن الفاسد" أن يعبر عن قدراته الاستثنائية في المساس بالقيم الأخلاقية والاجتماعية والسياسية والوطنية وتعريض امن البلدان وسلامتها الداخلية والخارجية إلى الانهيار !!!!.

أما بالنسبة للنساء وبحكم محدودية وضيق فرص التفاعل الاجتماعي الناتجة من عدم المساهمة في الحياة العامة, فأن النفاق لديها ينحصر غالبا في الدوائر الاجتماعية الصغرى, أي إلى اقرب حلقات التفاعل الاجتماعي لديها: الأهل والأسرة والأقارب أو الأصدقاء, والنفاق هنا عادة ما يكون معبرا عن حالات العزلة الاجتماعية وخاصة عند حبيسات الدار أو المطبخ, وهنا يكون دور " المؤمن الفاسد ـ المرأة " لا يتجاوز تخريب العلاقات الاجتماعية في دوائرها الأقرب في محاولة فاشلة لتأكيد الذات واختراق العزلة التي تعاني منها, ولكن هنا لا نستهن وللأسباب المذكورة بإمكانيات " المؤمن الفاسد ـ المرأة " بانتحال أكثر من شخصية وبأدوار دقيقة جدا تتجاوز حدود النفاق المتعارف عليه لتندمج مع المفهوم النفسي لازدواجية الشخصية , أو ما يطلق عليه اليوم " باضطراب الهوية الانشطاري " والذي يستطيع صاحبه بإجادة أكثر من دور وبإتقان, من مصلحة اجتماعية وواعظة إلى مخربة للعلاقات الاجتماعية إلى راقصة حسناء, إلى إمكانيات أخرى تفوق قدرة موقع "ويكليكس" الالكتروني في فضح الأسرار الخاصة والتشهير وغيره من الأدوار السلبية منها والايجابية ذات الطبيعة الازدواجية, ولكنها تبقى محدودة التأثير وليست بذات الأهمية والخطورة قياسا بما يفعله المؤمن الفاسد ـ الرجل !!!!.
أن "المؤمن الفاسد" فردا كان أم دولة أم كيان سياسي حين يفقد المرجعية بأهمية الخطاب الأخلاقي والديني والسياسي في العلاقات المحيطة بة وفي الأحداث الجارية يتحول إلى كيان مراوغ يفتقد إلى ابسط مقومات الأخلاق في السياسة وفي الدين وفي السلوك العملي ويتحول إلى كيان بهيمي ينشد المصلحة الذاتية والغريزية ويبتعد كل البعد عن منطق العقل وتكون صلته بعالم الغابة أكثر من صلته بعالم الإنسان وطموحاته ومستقبله, ويلهث وراء تبريرات لسلوكه, وهكذا يكون "المؤمن الفاسد" بمثابة القوة المدمرة لكل المنظومة الأخلاقية في السياسة والسلوك !!!.
وينخرط " المؤمن الفاسد " في منظومة الفساد المجتمعية: الاقتصادية, والإدارية والمالية, والاجتماعية, والأخلاقية, والثقافية وحتى الدينية وغيرها من منظومات الفساد المختلفة, عبر مختلف أعراض ومظاهر الفساد وأساليبه وألوانه المختلفة, من محسوبية ومنسوبيه, وبيروقراطية إدارية, واستغلال المنصب العام, والغش والتزوير, والنصب والتحايل وسرقة المال العام, والفساد الأخلاقي والقيمي وتغير معالم الثقافة الوطنية ورموزها والتجاوز على الرموز الدينية والإخلال بسمعتها.
وإذا كان " المؤمن الفاسد " ذو الأطر الإيديولوجية والسياسية غير الدينية يخضع بعض الشيء إلى عمليات تعديل السلوك الناتج من ضغوطات دوائر الانتماء الصغيرة المطابقة لعقيدته والاستجابة لضغوط القيم الوضعية والمتمثلة بقيم الحياة, من حياء واحترام للعلاقات الاجتماعية, فقد يبدو خجولا ومتئنبا في بعض من ممارساته, إلا إن " المؤمن الفاسد " والمتلبس بلباس الدين لا يعبه كثيرا بدائرة علاقاته القريبة, بل يسعى جاهدا لإضفاء الشرعية الدينية على فساده المالي والأخلاقي وغيره من مظاهر الفساد عبر البحث عن واسطة " مطمئنة " بينه وبين السماء, ويلجأ هنا إلى مرجعياته ومشايخه الدينية لانتزاع الفتاوى المبنية على تفسيرات تلوي عنق الحقيقة لمصلحة استمرار النفاق والفساد وإعادة توليده ونشره " كقيمة عليا " وكبديل عن قيم التنمية الاقتصادية والاجتماعية الشاملة, بل الكثير منهم يحصل بعد تزكية ماله الحرام " دفع الزكاة " لمرجعيته على اعتراف من سلطته الدينية بأنه من  " الخواص ", وبالتالي له الحق في  العبث بالمال العام أينما وجد وسبي أعراض العوام وانتهاك حرمتهم, وتنتشر في وسط هؤلاء ظاهرة الفساد الأخلاقي المتمثلة "بالزواج المؤقت" والتي أصبحت مخاطر أمراضه الجنسية تنتشر على نطاق واسع كما هو الحال في العراق وإيران وغيره من البلدان, وهي في جوهرها علاقات شاذة وغير متكافئة بين طرفين, احدهما قوي يمتلك السلطة والمال أو المال بمفرده وهو الرجل, وبين طرف آخر مستضعف لا حول ولا قوة له وهو المرأة والتي قد تكون معوزة أو أرملة أو تعيل بمفردها أسرة كبيرة فتضطر لبيع جسدها مؤقتا بواجهات "دينية أو شرعية" أو ما يسميه آية الله شريعتمداري "بالدعارة المشرعنة" , وإذا علم " المؤمن الفاسد " إن أخته أو احد أقاربه تمارس" الزيجة المؤقتة " كالمتعة مثلا فأنه لا يتوانى لحظة واحدة عن الانتقام والثأر لعرضه وشرفه مطبقا حد الزنا كما ورد في النص القرآني في سورة النور الآية 2 " الزانية والزاني فاجلدوا كل واحد منهما مائة جلدة ولاتخذكم بهما رأفة في دين الله إن كنتم تؤمنون بالله واليوم الآخر وليشهد عذابهما طائفة من المؤمنين " ولكن من يجلد من ؟؟؟؟. 

أما "المؤمن الفاسد" المتواجد خارج الحدود وخاصة في دول المهجر في الشمال الأوربي وغيره, حيث ينعم بالأمن والصحة والتعليم والضمان الاجتماعي والسكن المريح وحرية التنقل والحركة وحرية الفكر والتعبير كيفما يشاء, فهو يقف على رأس قائمة الفساد الرسمي أو ما يسمى "بالقائمة السوداء"فهو مدان للدولة المضيفة جراء عمليات النصب والاحتيال والتلاعب بالمال العام أو الهروب من دفع الضرائب العامة, وهو كالعادة يستمد براءة الذمة من مرجعيته الدينية في الوطن الأم بفتوى تخلي سبيله أمام الله " ذبه برأس عالم واطلع منها سالم ", أما أمام الوطن أو الدولة المضيفة أو القانون فليست مشكلة .... تحياتي للحرامي !!!!!.  ويتجمع ويقيم المؤمن الفاسد مع أقرانه من ذات الصبغة في دول المهجر في الأحياء البائسة والمهملة والمكتظة وذات الطبيعة المغلقة وصعبة الاختراق, حيث يشكلون تجمعات لمافيا في الفساد المالي والأخلاقي وارتكاب الجرائم المختلفة, وتجري كل هذه السلوكيات بتغطية واسعة النطاق من الفتاوى الدينية الصادرة من وسط هذه التجمعات أو الوطن الأم, وإذا جلست مع احد منهم فقد يغريك بحسن طلعته الأولى وحلو حديثه المحمل بالثقافة الببغاوية الرتيبة والمملة على خلفية حفظ الأحاديث النبوية والنصوص القرآنية وأقوال الأئمة والصحابة واجترارها دون مناسبة, ولكن سرعان ما تفاجئ بمحتواه الذي تزكم منه الأنوف !!!!.
أما بالنسبة للمشكلة الجنسية"للمؤمن الفاسد" المتواجد خارج الحدود, حيث تشغل هذه المشكلة مساحة واسعة في شخصيته أسوة بأخيه داخل الحدود, فهو" يكدح" في الشتاء القارص لينفق ماله في الصيف متنقلا في دول الجوار ومستفيدا من الفوارق في الأسعار وانخفاض مستوى العيش ومتنكرا ببريد الكتروني ليست باسمه, فيبدوا رحيما طيب القلب عطوفا على النساء هناك, وتبدو لي هنا شدة الدافع الجنسي واتساع مساحته في شخصية " المؤمن الفاسد " هو بمثابة الميكانيزم التعويضي ذو الصفة القبلية " أو ضربة استباقية " لحرمان متوقع كما يدركه المؤمن الفاسد, حيث في "الجنة الموعودة " مع الحوريات لاغشاء بكارة ولا فترة حيض ولا هم يحزنون, ولذا تجد المؤمن الفاسد يسعى لتفريغ حمولته الجنسية في الدنيا تحسبا لقحط وجوع ينتظره في الآخرة, وهو يعلم بذلك جيدا, وهو خير العارفين !!!!!. 
أما دولة "المؤمن الفاسد" والمتوحدة مع مواطنها " المؤمن الفاسد " إن كانت بلباس ديني أو قومي أو وطني عام, فهي دولة المعتقلات والسجون والاستبداد ومصادرة الحريات الشخصية والعامة على طريق استعباد مواطنيها وتحطيم نفسيا تهم وإذلالهم, وتجري هذه الممارسات بواجهات مختلفة ومبررات وهمية, منها على سبيل المثال, إن هناك خطر خارجي قادم يهدد الأمن القومي والوطني مما يستدعي "تعبئة الجهود ومصادرة الحريات" لأنها عائق أمام ذلك, أو أن التنمية الاقتصادية والاجتماعية والحفاظ على اتجاهاتها لا يحتمل تعدد الآراء والتنوع السياسي وبالتالي فأن القمع والحد من المعارضة السياسية هو من مؤشرات نجاح التنمية وملازم لها وضمانتها الأكيدة !!!!.
أن دولة " المؤمن الفاسد " هي الدولة القمعية والدكتاتورية والتي تعتمد على إيديولوجية قومية أو وطنية أو دينية تبرر فيها كل سياساتها وتصرفاتها, وتحاول بكل جهودها ترك الانطباع لدى الشعب أن ما يجري في داخلها من إرهاب, وقمع للحريات هو خدمة للأمن العام وإنقاذ البلد من التهديدات الخارجية والداخلية, إنها الدولة الكاريزمية التي يجسدها قائد الضرورة, أو الأب القائد, أو القائد الملهم, أو حجة الإسلام والمسلمين وآية الله العظمى أو حبيب الشعب, والتي تعكس في مجملها الزعيم الأوحد قائد الحزب والدولة والمؤسسة العسكرية والمؤسسة الإعلامية وراعي السلطة القضائية والتشريعية والتنفيذية بدون منافس, والذي تجتمع بيده كل هذه السلطات لاستخدامها في البطش والتنكيل والقسوة عندما يقتضي الأمر وفرض حالة الطوارئ عند الحاجة أو إطلاق شيء من الحريات العامة عند الضرورة !!!!!.
ومن الضروري الإشارة هنا أن دولة " المؤمن الفاسد " ذات الصبغة القومية أو الوطنية وبفعل تمرسها عبر عقود من الزمن, واستنادا إلى خلفية نشأتها الأولى القائمة على مقارعة الاستعمار وانجاز الاستقلال الوطني حافظت بهذا القدر أو ذاك على ما يسمى " بمناطق العفة " في بعض القطاعات الاجتماعية وعدم المساس بها كليا أو إفسادها, لأن التطاول على هذه القطاعات يعني ما يعنيه إدخال الدولة والمجتمع في عنق الزجاجة بما يمهد لانهيارها كليا, ومن هذه القطاعات: التعليم بمختلف مؤسساته وخاصة الجامعي منه, والصحة, والقضاء, والإعلام والثقافة, والشرطة والمؤسسة الدينية, وهناك اتفاقا أخلاقيا قد يكون غير مكتوب في إبعاد هذه القطاعات عن النفاق والفساد ومستنقع التلوث, على أساس أن هذه القطاعات صمام أمان لأي مجتمع وحصون أخيرة يلجا إليها الجميع في اليسر والعسر, ولهذا يصبح اقتراب الفساد من " مواطن العفة"  في المجتمع ظاهرة تثير الكثير من القلق بل قد تتحول إلى زلزال يهز أركان المجتمع وانهياره, ورغم أن الدولة القومية أو الوطنية أضفت على هذه القطاعات الصبغة العقائدية لمنتسيبيها, إلا إن معايير الجودة والكفاءة والأداء ظلت تتمتع بهذا القدر أو ذاك بشيء من عوامل البقاء باعتراف المنظمات الدولية ذات العلاقة وخاصة في بداية العقود الأولى من نشأة هذه النظم !!!!!.
أما دولة " المؤمن الفاسد " والمتلبسة بلباس الدين فليست لها  " مناطق عفة محصنة " فهي تضرب كل القطاعات دون رحمة, وهي أشبه بفيروس في جسد بلا مناعة, وهذا الفيروس يتسلل إلى نواة الخلية ( نظام الحكم ومؤسساته وقطاعاته بدون استثناء) فيصيغ برامجها طبقا لاحتياجاته ثم يتسلل إلى المجتمع فينشر المرض وتتغير البرامج كلها طبقا للبرنامج الفيروسي. أن فيروس دولة " المؤمن الفاسد " يفسد عملية التقدم والتطور الاجتماعي المخطط , حيث يفتت المؤسسات اللازمة لذلك ويحولها إلى مؤسسات فئوية ترعى فئة معينة من المجتمع كما هو الحال في نظام المحاصصات الطائفية والعرقية ويعيق تشكيل مؤسسات بحثية وعلمية مستقلة خاصة بذلك؛ كما أن هذا الفيروس يعطل العملية السياسية ويعيق جهود التنمية والأعمار من خلال تعطيله لدور المعارضة الحقيقية باعتبارها تلعب دور الرقيب على الحكومة في الدول الديمقراطية المستقرة, إلا إن هذا الفيروس الذي يتكئ على خلفية نظام المحاصصة الطائفية أو التوافقية يلغي دور المعارضة الحقيقية, لأن هذه " المعارضة " لها يدا في الحكومة تحجم عن دورها الرقابي, وبالتالي يكون الصراع من اجل إفشال الحكومة وليست تقويم عملها, ويسعى الطرف الحاكم أيضا إلى التمادي وتعطيل العملية السياسية وعدم السماح للتداول السلس والسلمي للسلطة, ويدعي كل طرف هو الأفضل على خلفية التعصب والتعنت الديني والطائفي والعرقي !!!!.
أن دولة " المؤمن الفاسد " تشكل بيئة مواتية لفيروس الفساد بألوانه المختلفة وللمحسوبية والمنسوبية والولاء الحزبي الضيق, ففي دولة المحاصصة الطائفية والتوافقية كالعراق حيث يقف عالميا في قائمة الدول التي تعاني من الفساد الإداري والمالي, فأن هذا النظام هو أفضل وسيلة لترعرع ونمو الفساد, وان كان في ظاهره يبدو وكأنه ينصر أبناء طائفته ولكنه في الواقع يبقي أبناء الطائفة في فقر مدقع وتبقي الامتيازات حكرا على زعماء الطائفة وأبنائهم أو رؤساء أحزابها !!!.
أن نظام المحاصصة الطائفية والتوافقية باعتباره نموذجا لدولة " المؤمن الفاسد " يشكل عوامل طرد لاستبعاد الكفاءات العلمية والوطنية, حيث يستند في شكلياته إلى الطائفة كمعيار للانتقاء والولاء وليست معايير النزاهة والكفاءة العلمية بعيدا عن الانتماءات الضيقة, وبهذا يحرم المجتمع من الانتفاع بمواهب أفراده المختلفة والتي لا صلة لها بالانتماء الطائفي.كما يخل نظام المحاصصة بالسلم الأهلي والاجتماعي, ويخل بمبدأ المساواة بين المواطنين في الوظائف العامة ويضعف ثقة المواطن بمؤسسات الدولة من خلال تخندقه الطائفي في أطره الجغرافية, كما يضعف سياسة الدولة ووحدتها في الخارج كما يتعارض هذا النظام مع حقوق الإنسان وصيانتها والمنصوص عليها في المواثيق الدولية !!!!.
كما تزحف دولة " المؤمن الفاسد" على رموز الثقافة الوطنية من أدب ومسرح وسينما وأكاديميات متخصصة ومنع مختلف الفعاليات الفنية في وسط وجنوب العراق في محاولة منها لخلق بيئة مواتية لفيروس اسود في مختلف الفنون وعلى طريقتها الخاصة وعلى نسق الجمهورية الإسلامية أو على هدى طالبان, ولعل آخرها ما تعرض له اتحاد الأدباء والكتاب العراقي من حملة افتراء وكذب مدعمة "بالفتاوى الغوغاء" في الضغط عليه لغلقه أسوة بالأندية الليلة بتهمة تعاطي المنكر ـ الخمور, ولا نعرف أيهما أكثر منكرا شرب الخمور أم أكل أموال الناس بالباطل, شرب الخمور أم المحاصصة الطائفية, شرب الخمور أم الفساد الأخلاقي, شرب الخمور أم الفتاوى بسرقة المال العام, شرب الخمور أم النصب والاحتيال, شرب الخمور أم تزوير الشهادات, شرب الخمور أم انتشار مزارع الحشيش والمخدرات بدلا من مزارع الفواكه, شرب الخمور أم المليشيات المسلحة, شرب الخمور أم المتاجرة بالمخدرات من قبل بعض فصائل الإسلام السياسي...... إنه استهتار ومصادرة للحريات العامة التي كفلها الدستور وتجاوز على القضاء صاحب اليد الطول بهذا الشأن و و.... وهي سلوكيات منافقة ومنافية للدين وأضعاف لدور الدولة الديمقراطية والمدنية في العراق !!!!!. 
 

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق