دور الهند على خارطة العالم الإسلامي استشراف مستقبل العلاقات الهندية الدولية
نبيل شبيب
ثلث البشرية على محور صيني-هندي
قوة دولية أو إقليمية عبر بوابة أفغانستان
الهند.. ومحور إيران-فلسطين
خلال بضعة أسابيع زار الهند كل من الرئيس الأمريكي والرئيس الفرنسي ورئيس الوزراء البريطاني ورئيس الوزراء الصيني وحزم الرئيس الروسي حقائبه لزيارتها أيضا، كما استقبلت المستشارة الألمانية رئيس الوزراء الهندي في برلين. ولا ريب فيما تعنيه هذه الزيارات المتتابعة من اهتمام متزايد بدور الهند على المستوى الدولي، سواء نتيجة جهود هندية ذاتية، أو نتيجة رغبات معيّنة من جانب القوى الدولية الأخرى، وهو ما لا يعود فقط إلى تسارع النمو الاقتصادي في الدولة الهندية، بل ينبغي النظر فيه من زاوية ما يُتوقع من تطورات سياسية/ أمنية في منطقة جنوب شرق آسيا وشرقها، ممّا يستحوذ على الاهتمام الصيني والروسي والغربي، على محور كوريا الشمالية، وتايوان، ومن زاوية الأبعاد المتصلة بالمنطقة الإسلامية تخصيصا، على ضوء ثلاثة أسئلة محورية: ماذا بعد المغامرة الأمريكية/ الأطلسية في أفغانستان، وماذا يُنتظر تحت عنوان ما يسمّى الملف النووي في إيران، وإلى أين توصل الجولة القادمة بين مشروع المقاومة ومشروع التصفية في قضية فلسطين.
ثلث البشرية على محور صيني-هندي
أهمّ ما سُلّطت عليه الأضواء أثناء زيارة الرئيس الأمريكي للهند كان ما قدّمه من مغريات ملحوظة لتأكيد رغبة توثيق العلاقات الأمريكية الهندية، وقيل إنّ ذلك من أجل موازنة الدور الصيني المتنامي بقوة في منطقة آسيا، وشملت المغريات رفع مستويات التعاون في القطاعين النووي والتقني والتصريح بالتأييد الأمريكي لحصول الهند على مقعد عضوية دائمة في مجلس الأمن الدولي، علاوة على استمرار الانحياز الأمريكي في نوعية العلاقات مع الدولتين الجارتين، الهند وباكستان.
بالمقابل كان التركيز في زيارة رئيس الوزراء الصيني على تعزيز العلاقات التجارية ورفع مستويات التعاون المباشر، مدخلا إلى نزع فتيل الأزمات القديمة، لا سيما الحدودية، ومزيد من التنسيق على المستوى الدولي، وجميع ذلك بدأ منذ خمس سنوات على الأقل، فأوصل إلى زيادة التبادل التجاري إلى أربعة أضعافه (الصين أكبر شريك تجاري للهند عالميا) ويراد أن يبلغ ذلك إلى ما يناهز مائة مليار دولار خلال 3 سنوات، وللمقارنة تتطلّع ألمانيا إلى رفع مستوى التبادل التجاري مع الهند خلال الفترة نفسها إلى ما يناهز عشرين مليار دولار، علما بأن ألمانيا والصين والولايات المتحدة الأمريكية تتصدّر دول العالم من حيث حجم الصادرات وتتنافس على المرتبة الأولى بصورة متبادلة.
وتملك الصين عددا من الميزات في نطاق ما أصبح يشبه السباق الدولي على طلب ودّ الهند، فالدولتان في أوضاع دولية متشابهة على صعيد النمو الاقتصادي، وهو ما جعلهما تشكلان مع روسيا والصين مجموعة رباعية لكبرى الدول الناهضة، وكذلك في التعامل مع المناخ العالمي، وهو ما انعكس في تجاوب الصين مع اقتراح الهند لإنقاذ مؤتمر كانكون في المكسيك حول المناخ من إخفاق مطلق كما كان في كوبنهاجن قبل عام واحد، كما أنّ للجوار بحدود تبلغ زهاء ألفي كيلومتر أثره الإيجابي اقتصاديا رغم الخلافات المزمنة على ترسيمها منذ حرب 1960م، ويلتقي البلدان على سياسات منسقة وفي منظمات آسيوية مشتركة على صعيد أكثر من قضية إقليمية، وإن بقي الخلاف قائما بمنظور الهند على صعيد العلاقات الصينية-الباكستانية الوثيقة، وبمنظور الصين، على صعيد احتضان الهند لدالاي لاما وبالتالي لحركته من أجل استقلال ذاتي أكبر لمنطقة التيبت. ومن شأن نشأة علاقات وثيقة قريبة من التحالف أن يضمّ زهاء ثلث البشرية، وهو ما تدعمه روسيا رغبة في تكوين محور آسيوي يوازن -إن لم يواجه- الوجود العسكري الأمريكي في المنطقة الآسيوية منذ نهاية الحرب العالمية الثانية.
قوة دولية أو إقليمية عبر بوابة أفغانستان
مهما بذلت القوى الغربية منفردة وعبر الأطلسي من جهود، فقد أصبح من المؤكّد أنّ الانسحاب العسكري المحتم من أفغانستان خلال شهور أو سنوات، سيؤدي بالمنظور الغربي إلى فراغ سياسي وأمني ينطوي على بُعدٍ اقتصادي بالغ الأهمية تملؤه قوى إقليمية، ولا يكمن البعد الاقتصادي في الخامات غير المستثمرة في أفغانستان نفسها فقط، بل يشمل أيضا الحرص على استخدامها طريقا لإمدادات الطاقة، ومن ذلك نقل الغاز الطبيعي من تركمانستان عبر الأراضي الأفغانية إلى الهند، بدعم أمريكي، حرصا على إلغاء مشروع سابق كان يجمع إيران وباكستان وتركمانستان، ولا يخلو المشروع من تلبية احتياجات أمريكية للغاز أيضا، لا سيما أنّ الولايات المتحدة الأمريكية تتوقع ازدياد حاجتها إلى استيراد الطاقة خلال سنوات معدودة، وهو ما دفع كثيرا من المحللين الغربيين إلى تعليل الحربين الأمريكيتين في أفغانستان والعراق بعامل الطاقة، فاحتياطي الغاز في تركمانستان يوازي في أهميته لمستقبل اقتصاد الطاقة أهمية احتياطي النفط في العراق، وكان مشروع مدّ الأنابيب عبر الأراضي الأفغانية مطروحا من الجانب الأمريكي على أفغانستان وألغي أثناء فترة حكم طالبان القصيرة، وطُرح ثانية عام 2002م مع الاعتقاد باستقرار سيطرة الاحتلال العسكري وصُرف النظر عنه بسبب عدم استقراره، وانعقد الاتفاق على المشروع الآن أواخر عام 2010م إنما بمشاركة أربع دول آسيوية (باكستان وأفغانستان وتركمانستان والهند).
ولا تخلو مخططات الانسحاب الغربي من أفغانستان، التي يجري البحث عن طريقة ما لترتيبها بأقل قدر ممكن من الأضرار.. لا تخلو من البحث عن دور رئيسي للهند، فنفوذها في أفغانستان بالذات مطلوب مقابل النفوذ الباكستاني والإيراني، وبالتالي فإن المساعي الغربية للصعود بدور الهند دوليا مقترنة بالسعي لربطها بالرؤى المستقبلية للقوى الدولية الغربية.. مقابل المساعي الصينية والروسية ليكون ذلك الدور مقترنا بترسيخ دعائم محور آسيوي دولي.
في هذا الإطار يمكن أن تصبح سياسة الصين تجاه باكستان وكشمير مادة للمساومات الصينية الهندية مقابل وجود حركة التيبت في الهند مادة للمساومات أيضا، وأن يكون هذا وذاك لصالح الهند مقابل باكستان وإيران في أفغانستان.
الهند.. ومحور إيران-فلسطين
شهدت تطورات المواقف الروسية فالصينية في التعامل مع الملف النووي الإيراني، ما يرجّح احتمال أن يعمل الطرفان لترسيخ دعائم محور جديد مع الهند، دون أن يشمل إيران كما كان مطروحا في نطاق السياسة الروسية قبل سنوات معدودة. ولئن كان التوافق بين القوى الدولية، بما فيها الصين وروسيا، على اعتبار التسلّح النووي الإيراني خطا أحمر مشتركا، فليس من المستبعد أن يتسع نطاق ذلك ليكون مجرّد انتقال المشروع النووي الإيراني في إطار استغلال الطاقة النووية سلميا إلى مرحلة متقدمة، مع تطوير صناعة السلاح الإيراني محليا، إلى مستوى خط أحمر مشترك أيضا.
وسيان ما حجم المصالح التي تربط بين الهند وإيران، بما في ذلك بعض نقاط التقاطع في أفغانستان على حساب باكستان، فإن العلاقات الهندية-الإسرائيلية القديمة، والمرتبطة بالنظرة المشتركة إلى العالم الإسلامي عموما، ترجّح أن تعطي الهند الأولوية لهذه العلاقات أيضا، ممّا يعني زيادة مفعول الحصار الإقليمي حول إيران إلى جانب الحصار الدولي.
ولا يوجد في الوقت الحاضر، بصيص ضوء في السياسات الإيرانية والعربية، لاحتمال تنسيق كافٍ للجمع بين قضيتي فلسطين والملف النووي الإيراني على أرضية مشتركة للمنطقة الإسلامية، بل على النقيض من ذلك ترجح السياسات الراهنة، العربية والإيرانية على السواء، أن تكون المنطقة العربية، الخليج ومصر والأردن على الأقل، جزءا من طوق الحصار الإقليمي.. وسيّان في هذه الحالة ما يمكن أن يعنيه ذلك من تعزيز لموقع الهند سياسيا وعسكريا على صعيد قضية كشمير، وفي علاقات الأزمة المزمنة مع باكستان.
كما يظهر للعيان من مسيرة تصفية قضية فلسطين في السنوات القليلة الماضية على الأقلّ، أنّ الأطراف العربية المشاركة في ذلك، على استعداد للمضيّ شوطا أكبر، رغم كلّ ما ظهر من انحياز أمريكي، يوصف بالعجز(!) - للتخلص –الموهوم- من أعباء قضية فلسطين والتفرّغ –الموهوم- لأعباء مواجهة إيران.
ويمكن بهذا المنظور التأكيد أن السياسات الدولية التي لم تنقطع منذ عقود عن مساعي ترسيخ قوتين إقليميتين، إسرائيلية وهندية، يمكن أن تبلغ غايتها قريبا، في جعلهما أشبه بفكي كماشة حول المنطقة الممتدة ما بين فلسطين وكشمير.. وسيان بالمنظور الإسلامي بعد ذلك هل يتحقق الهدف عبر تقارب صيني هندي روسي، أم تقارب غربي هندي روسي.
كان شيء من التعاون فيما يسمّى أمنا عربيا مشتركا، وشيء من التعاون على محور بعض البلدان العربية وباكستان، يشكّل في مرحلة ماضية بعض الأمل في الحفاظ على حدّ أدنى من التوازنات الإقليمية، في نطاق ما كان سائدا في الحرب الباردة من نزاع بين الغرب والشرق، ولا يوجد في الوقت الحاضر أمل صغير أو كبير في اتجاه مماثل، وقد تبقى بعض الآمال معلّقة فيما يوصف بمحور إيران-سورية-المقاومة، ولكن هل يمكن الاعتماد على ذلك، ما دامت سورية تقف على قدم في هذا المحور وقدم أخرى فيما شاركت فيه تحت عنوان "خيار السلام الاستراتيجي العربي"، وما دامت إيران تقف على قدم في هذا المحور وقدم أخرى في إطار ترسيخ الأولوية لمصالحها الذاتية وحدها، وما دامت المقاومة تجد من الطعنات في الظهور شبيه ما تجده من الطعنات من العدوّ الذي تواجهه، في فلسطين ولبنان على السواء.. ناهيك عن أفغانستان والعراق وسواهما.
----------------------
مداد القلم
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق