هل شيعة الخليج طابور خامس؟
يخطئ من يحاول تحميل علاقة شيعة الخليج بإيران أو العراق أكثر مما تحتمل. فالشيعة في الخليج لا يعملون كطابور خامسٍ للحسابات السياسية والاقتصادية للعراق أو إيران أو لغيرهما. فلا هم يقبلون بذلك، ولا إيران أو العراق، كنظام ودولة، يتبنيان هذا التوجه. هم يعلمون جيداً مدى الزخم الذي كسبه مذهبهم وناله واقعهم بوجود سلطة ودولة باسم الشيعة والتشيع في إيران والعراق، ولكنهم يعلمون أيضاً حدود انعكاس هذا التطور عليهم. لا يعني هذا التحول الجغرافي السياسي أنهم يقبلون أو يريدون تبديل جنسياتهم وأوطانهم بجنسية وطن آخر، ولا يعني أنهم مستعدون لتغيير لغاتهم ولهجاتهم وثقافاتهم وتقاليدهم المحلية بثقافة وتقاليد عراقية أو إيرانية.
لا شك أن وجود إيران كدولة شيعية، وبعدها قيام دولة عراقية جديدة نال فيها شيعة العراق وزنهم السياسي الحاضر، قد ساهما في رفع معنويات شيعة العالم، بما فيهم شيعة الخليج، للخروج من محنتهم التاريخية كأقليات مهضوم حقها والارتقاء إلى درجة أخرى من السلم، نحو تطلعاتهم القديمة الجديدة. هذا الصعود في المعنويات والتطلعات، كما هو حق طبيعي لهم، وبعد عقود من فقدانهم لبعض حقوقهم الإنسانية والدينية، والتعامل معهم كمواطنين من الدرجة الثانية أو الثالثة، لا يعني، مطلقاً، أنهم سيعيدون صياغة أوضاعهم ليكونوا امتداداً سياسياً منظماً لإيران أو العراق، وبالتالي لا يعني أنهم يقبلون أن يكونوا ورقة يستغلها الآخرون ضد أوطانهم، أي ضد أنفسهم. خطأ فادح يرتكبه البعض عندما يصورون علاقة شيعة الخليج بإيران والعراق كعلاقة عراق البعث وليبيا القذافي ويوغسلافيا وألمانيا الشرقية مع دولة الاتحاد السوفييتي قبل التفكك، لأنها علاقات قامت على قاعدة بناء دوائر دولية لمحاور الاستقطاب بين قطبي العالم حينها، واشنطن وموسكو، فتتشكل مجموعة دولية متعاضدة مع موسكو، ومجموعة دولية متعاضدة مع واشنطن، وهي حالة قائمة على فنون اللعبة الدولية والدبلوماسية. لا تنطبق هذه الحالة على علاقات شيعة الخليج، أو شيعة العالم، بإيران والعراق، لأن شيعة الخليج مجتمعات شيعية خاضعة لقوانين دولهم وأوطانهم. ومن ناحية أخرى فإن تقاطع المصالح الاقتصادية والسياسية بين دول المحور السوفييتي مع موسكو يعززه قانون سيادة الدولة، فتعمل هذه الدولة أو تلك، وفق حقها السيادي، على انضمامها لهذا المحور أو ذاك. بينما مجتمعات شيعة الخليج لا تمتلك القرار السيادي الذي يؤهلها لفتح أو إيقاف التعامل مع إيران أو العراق، لأن هكذا قرار بيد السلطات الحاكمة في الدول الخليجية، وهو حق سيادي لها. يحترم شيعة الخليج قرارات دولهم في هذا الشأن وإن تحفظوا على بعض تفاصيله في هذه الزاوية أو تلك. الفارق الاخر بين الصورتين يتمحور في هيكلية العلاقات، فموسكو بنت امتدادات تنظيمة وحزبية لها في دول وشعوب المحور التابع لها، بينما لا يوجد في المجتمعات الشيعة هذه الهيكلية التنظيمية في العلاقات بين الشيعة وطهران، و«يجب التذكير بأنه كان يمكن التشكيك بأهداف الثورة الشيوعية العالمية التي شكلت آفاق السياسة الخارجية السوفييتية خلال ثمانين عاماً. لكن بخلاف الحزب الشيوعي في الاتحاد السوفييتي، الذي كان في إمكانه الاعتماد على دعم الأحزاب الشيوعية في مختلف مناطق العالم، فإن إيران ليس لها جماعات شيعية تدعمها في كل بلدان العالم، ثم أنه لا يمكن مقارنة الأقليات الشيعية بالأحزاب الشيوعية، لأنه ليس للأولى علاقات منظمة بطهران. ومع ذلك فإن إيجاد مركز روحي- ديني للشيعة هو ظاهرة تتعدى إيران وتعني العالم الشيعي بمجمله، وجيران إيران وكذلك لبنان. |
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق